فصل: (فَصْلٌ): (سننُ الإحرامِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [وَمَنْ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا]:

(وَمَنْ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ، بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا، صَحَّ) إحْرَامُهُ، (وِفَاقًا)، نَصَّ عَلَيْهِ كَإِحْرَامِهِ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ فُلَانٌ، (وَصَرْفُهُ)، أَيْ: الْإِحْرَامِ (لِمَا شَاءَ) مِنْ الْأَنْسَاكِ (بِنِيَّتِهِ) لَا بِلَفْظِهِ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ بِأَيِّهَا شَاءَ، فَكَانَ لَهُ صَرْفُ الْمُطْلَقِ إلَى ذَلِكَ، (وَمَا عَمِلَ) مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا (قَبْلَ) صَرْفِهِ، (فَلَغْوٌ) لَا يُعْتَدُّ بِهِ، (وَ) إنْ أَحْرَمَ (بِمَا) أَحْرَمَ فُلَانٌ (أَوْ) أَحْرَمَ (بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ) بِهِ (فُلَانٌ، وَعَلِمَ) مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ، (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُ (بِمِثْلِهِ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ أَهْلَلْت؟ فَقَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَاهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا» وَعَنْ أَبِي مُوسَى نَحْوَهُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (فَإِنْ تَبَيَّنَ إطْلَاقُهُ)، أَيْ: إحْرَامِ فُلَانٍ، بِأَنْ كَانَ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ، (فَلِلثَّانِي) الَّذِي أَحْرَمَ بِمِثْلِهِ (صَرْفُهُ)، أَيْ: الْإِحْرَامِ (لِمَا شَاءَ) مِنْ الْأَنْسَاكِ، و(لَا) يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ (لِمَا يَصْرِفُهُ) إلَيْهِ الْأَوَّلُ (أَوْ)، أَيْ: وَلَا إلَى مَا كَانَ (صَرَفَهُ) إلَيْهِ (فُلَانٌ) بَعْدَ إحْرَامِهِ مُطْلَقًا، وَيَعْمَلُ الثَّانِي بِقَوْلِ الْأَوَّلِ، لَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ، (وَإِنْ جَهِلَ) مَنْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ فُلَانٌ صِفَةَ (إحْرَامِهِ)، أَيْ: فُلَانٍ، (سُنَّ) لِلثَّانِي (صَرْفُهُ عُمْرَةً)، لِصِحَّةِ فَسْخِ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَيْهَا، (وَلَوْ شَكَّ) الَّذِي أَحْرَمَ فُلَانٌ بِمِثْلِهِ، (هَلْ أَحْرَمَ الْأَوَّلُ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ) الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمٌ، (فَيَنْعَقِدُ) إحْرَامُهُ (مُطْلَقًا، فَيَصْرِفُهُ لِمَا شَاءَ) مِنْ الْأَنْسَاكِ. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ تَبَيَّنَ) لِلثَّانِي (الْحَالُ)، أَيْ: حَالُ الْأَوَّلِ مِنْ إطْلَاقٍ أَوْ تَعْيِينٍ (بَعْدَ) جَهْلِهِ بِحَالِهِ، (ف) حُكْمُهُ (مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ)، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا.
(وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ اثْنَيْنِ، وَاتَّفَقَ نُسُكُهُمَا)، أَيْ: الِاثْنَيْنِ، (فَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمَا)، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، (وَإِلَّا) يَتَّفِقُ نُسُكُهُمَا، فَمَنْ أَحْرَمَ بِإِحْرَامِهِمَا أَوْ بِمِثْلِ إحْرَامِهِمَا، (ف) هُوَ (قَارِنٌ)، لِأَنَّ الْقِرَانَ صِفَةُ حَجِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ كَانَ إحْرَامُ الْأَوَّلِ فَاسِدًا) بِأَنْ وَطِئَ فِيهِ، (انْعَقَدَ) إحْرَامُ (الثَّانِي بِمِثْلِهِ) مِنْ الْأَنْسَاكِ (صَحِيحًا)، وَيَأْتِي بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ. (وَيَصِحُّ) وَيَنْعَقِدُ إحْرَامُ قَائِلٍ: (أَحْرَمْت يَوْمًا، أَوْ): أَحْرَمْت (بِنِصْفِ نُسُكٍ وَنَحْوِهِمَا)، كَأَحْرَمْت نِصْفَ يَوْمٍ، أَوْ بِثُلُثِ نُسُكٍ، (فَلَا يَتَبَعَّضُ)، لِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ زَمَنًا لَمْ يَصِرْ حَلَالًا فِيمَا بَعْدَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ نُسُكَهُ، (كَطَلَاقِ) امْرَأَتِهِ نِصْفَ طَلْقَةٍ، فَتَطْلُقُ طَلْقَةً كَامِلَةً إذْ الطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ. (وَلَا) يَصِحُّ إحْرَامُ قَائِلٍ: (إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ) مَثَلًا (فَأَنَا مُحْرِمٌ)، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِتَعْلِيقِهِ إحْرَامَهُ، وَكَذَا: إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا، فَقَدْ أَحْرَمْت، فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، لِعَدَمِ جَزْمِهِ، وَهَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ: وَشُرِطَ تَنْجِيزُ إحْرَامٍ، فَلَا يَنْعَقِدُ مُعَلَّقًا ك: إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ أَوْ قَدِمَ، فَأَنَا مُحْرِمٌ. (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ) انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا، (أَوْ) أَحْرَمَ (بِعُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا، وَلَغَتْ الْأُخْرَى)، لِأَنَّ الزَّمَنَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ، فَصَحَّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِهِمَا، وَكَنَذْرِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ اللَّاغِيَةِ، وَكَنِيَّةِ صَوِّمِينِ فِي يَوْمٍ.
(وَ) مَنْ أَحْرَمَ (بِنُسُكٍ) تَمَتُّعٍ، أَوْ إفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ (وَنَسِيَهُ)، أَيْ: مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ نَسِيَ مَا نَذَرَهُ (قَبْلَ طَوَافٍ، صَرَفَهُ لِعُمْرَةٍ نَدْبًا)، لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، (وَيَجُوزُ) صَرْفُ إحْرَامِهِ (لِغَيْرِهَا)، أَيْ: الْعُمْرَةِ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ، فَإِنَّ صَرَفَهُ. (إلَى قِرَانٍ أَوْ) إلَى (إفْرَادٍ، يَصِحُّ حَجًّا فَقَطْ، لِاحْتِمَالِ) أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا مُفْرَدًا، فَلَا يَصِحُّ (إدْخَالُهَا)، أَيْ: الْعُمْرَةِ، (عَلَيْهِ)، فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّكِّ، (وَلَا دَمَ)، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَلَا قَارِنٍ، (وَ) إنْ صَرَفَهُ (إلَى تَمَتُّعٍ فَكَفَسْخِ حَجٍّ لِعُمْرَةٍ)، فَيَصِحُّ إنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَسُقْ هَدْيًا، لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ قَارِنًا أَوْ مُفْرَدًا، وَفَسْخُهُمَا صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ، و(يَلْزَمُهُ دَمُ مُتْعَةٍ بِشُرُوطِهِ)، لِلْآيَةِ، وَيُجْزِئُهُ تَمَتُّعُهُ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لِصِحَّتِهِمَا بِكُلِّ حَالٍ.
(وَ) إنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ نَذَرَهُ (بَعْدَ طَوَافٍ وَلَا هَدْيَ مَعَهُ)، أَيْ: النَّاسِي، (يَتَعَيَّنُ) صَرْفُهُ (إلَيْهَا)، أَيْ: الْعُمْرَةِ، (لِامْتِنَاعِ إدْخَالِهِ)، أَيْ: الْحَجِّ، (عَلَيْهَا إذَنْ)، أَيْ: بَعْدَ طَوَافِهَا لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ. (وَيَتَّجِهُ: لُزُومُ) نَاسِي مَا أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَهُ، وَقَدْ صَرَفَ نُسُكَهُ إلَى الْعُمْرَةِ لِعَدَمِ الْهَدْيِ (إعَادَةُ طَوَافٍ)، لِعَدَمِ صَرْفِهِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ إلَى نُسُكٍ مُعَيَّنٍ، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، لِأَنَّهُ طَافَ لَا فِي حَجٍّ وَلَا فِي عُمْرَةٍ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَيَسْعَى) النَّاسِي (وَيَحْلِقُ) أَوْ يُقَصِّرُ (ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجٍّ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ وُقُوفٍ) بِعَرَفَةَ، (وَيُتِمُّهُ)، أَيْ: الْحَجَّ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُهُ لِتَأْدِيَتِهِ إيَّاهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا دَمَ لِلْحَلْقِ إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا بِإِفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ، خِلَافًا لَهُمَا)، أَيْ: لِلْمُنْتَهَى والْإِقْنَاعِ حَيْثُ أَوْجَبَا عَلَيْهِ الدَّمَ لِحَلْقِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، (لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ فُسِخَ بِالصَّرْفِ) إلَى الْعُمْرَةِ، كَذَا قَالَ، وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ: وَإِنْ كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ الطَّوَافِ، صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ، وَلَا يَجْعَلُهُ حَجًّا وَلَا قِرَانًا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ عُمْرَةً، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ الطَّوَافِ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، فَيَسْعَى وَيَحْلِقُ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهِ، وَيُتِمُّهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُهُ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ بِكُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا أَوْ قِرَانًا، فَقَدْ حَلَقَ فِيهِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، وَفِيهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا، فَقَدْ تَحَلَّلَ، ثُمَّ حَجَّ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى فَإِنْ حَلَقَ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، يُحْرِمُ بِحَجٍّ وَيُتِمُّهُ، وَعَلَيْهِ لِلْحَلْقِ دَمٌ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا، وَمَا قَالَهُ جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ والْمُبْدِعِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. (وَمَعَ مُخَالِفَتِهِ) مَا سَبَقَ، (بِصَرْفِهِ) نُسُكَهُ مَعَ نِسْيَانِهِ بَعْدَ طَوَافٍ، وَلَا هَدْيَ مَعَهُ (لِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ، وَجَهِلَ الْحَالَةَ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ حَجٍّ) كَمَا يَأْتِي، (وَلَمْ يُجْزِئْهُ) فِعْلُهُ ذَلِكَ (عَنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ لِلشَّكِّ) فِي سَبَبِهِمَا، (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ (وَلَا قَضَاءَ)، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ، (وَمَا) كَانَ (عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبٍ) فَهُوَ بَاقٍ (فِي ذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ)، لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (لُزُومُ قَضَاءِ حَجٍّ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ حَلْقٍ) فَقَطْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ إحْلَالُهُ بِذَلِكَ، إذْ عِبَارَاتُهُمْ طَافِحَةٌ فِي أَنَّ مَنْ حَلَقَ وَطَافَ، ثُمَّ وَاقَعَ أَهْلَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَحَجُّهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) كَانَ (مَعَهُ هَدْيٌ) وَطَافَ، ثُمَّ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، (صَرَفَهُ لِحَجٍّ) وُجُوبًا، (وَأَجْزَأَهُ حَجُّهُ) عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (فَقَطْ)، لِصِحَّتِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ تَمَامِ نُسُكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَيَأْتِي) فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ (حُكْمُ) مَنْ طَافَ (أَحَدَ طَوَافَيْنِ بِحَدَثٍ، وَجَهْلٍ)، مُسْتَوْفًى. (وَمَنْ أَهَلَّ لِعَامَيْنِ، بِأَنْ قَالَ: لَبَّيْكَ الْعَامَ وَالْعَامَ الْقَابِلَ، حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَاعْتَمَرَ مِنْ) عَامٍ (قَابِلٍ)، قَالَهُ عَطَاءٌ، حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ وَمُقْتَضَاهُ: وُجُوبُ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: أَنْ فَعَلَ (ذَلِكَ)، أَيْ: كَوْنُهُ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ وَيَعْتَمِرُ مِنْ قَابِلٍ، (نَدْبٌ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ، لَوْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَرْفَقُ فِي حَقِّهِ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ عُهْدَةِ الْعَوْدِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ عَلَى فَرْضِ بَقَائِهِ حَيًّا مُسْتَطِيعًا، وَإِلَّا فَتَبْقَى ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً إلَى أَنْ يُقْضَى عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْوُجُوبِ وَلَا النَّدْبِ، لِعَدَمِ جَزْمِهِمْ بِهِ، فَصَارَ لِلِاحْتِمَالِ مَجَالٌ.

.(فَصْلٌ): [سننُ الإحرامِ]:

(وَسُنَّ) لِمَنْ أَحْرَمَ سَوَاءٌ عَيَّنَ نُسُكًا أَوْ أَطْلَقَ (عَقِبَ إحْرَامِهِ تَلْبِيَةٌ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك». الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (حَتَّى عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ)، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَنَائِمٍ، وَأَنْ تَكُونَ (كَتَلْبِيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وَهِيَ: ( «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك») لِلْخَبَرِ وَتَقَدَّمَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ: أَلَبَّ بِالْمَكَانِ، إذَا لَزِمَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك، وَكَرَّرَهُ لِأَنَّهُ أَرَادَ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّثْنِيَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّكْثِيرُ كَحَنَانَيْكَ، وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ. وَقِيلَ: مَعْنَى التَّلْبِيَةِ: إجَابَةُ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ حِينَ نَادَى بِالْحَجِّ، وَقِيلَ: مُحَمَّدٍ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى. (وَاخْتِيرَ كَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ) نَصًّا، لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنْ كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ، يَعْنِي: حَمِدَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ، أَيْ: لَبَّيْكَ، لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك. (وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةٍ) عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزِمَ تَلْبِيَةً فَكَرَّرَهَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَلَمْ تُكْرَهْ نَصًّا، (فَقَدْ زَادَ ابْنُ عُمَرَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ عُمَرُ: لَبَّيْكَ وَالنَّعْمَاءُ وَالْفَضْلُ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك لَبَّيْكَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَزِيدُ: لَبَّيْكَ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا. (وَسُنَّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا)، أَيْ: التَّلْبِيَةِ، (وَ) سُنَّ (بَدْءُ قَارِنٍ بِذِكْرِ عُمْرَةٍ) كَقَوْلِهِ: (لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا)، لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. (و) سُنَّ (دُعَاءٌ بَعْدَهَا بِمَا أَحَبَّ، وَيَسْأَلُ) اللَّهَ (الْجَنَّةَ، يَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ)، لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ» (وَ) سُنَّ (صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، بَعْدَ التَّلْبِيَةِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ، كَأَذَانٍ.
(وَ) سُنَّ (إكْثَارُ تَلْبِيَةٍ)، لِخَبَرِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَابْنُ مَاجَهْ. (وَتَتَأَكَّدُ) التَّلْبِيَةُ (إذَا عَلَا نَشَزًا)، بِالتَّحْرِيكِ، أَيْ: مَكَانًا مُرْتَفِعًا، (أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً، أَوْ أَقْبَلَ لَيْلٌ أَوْ نَهَارٌ، أَوْ الْتَقَتْ رِفَاقٌ، أَوْ سَمِعَ مُلَبِّيًا، أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا، أَوْ رَكِبَ) دَابَّتَهُ، (أَوْ نَزَلَ) عَنْهَا، (أَوْ رَأَى الْكَعْبَةَ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ إذَا لَقِيَ رَاكِبًا أَوْ عَلَا أَكَمَةً أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَفِي آخِرِ اللَّيْلِ» وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا عَلَا نَشَزًا وَإِذَا لَقِيَ رَاكِبًا، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
(وَ) سُنَّ (جَهْرُ ذَكَرٍ بِهَا)، لِقَوْلِ أَنَسٍ: «سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهَا صُرَاخًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَخَبَرُ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا، أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ» أَسَانِيدُهُ جَيِّدَةٌ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. (فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهِ)، بِخِلَافِ الْبَرَارِي وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ، قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ: إنَّ هَذَا لَمَجْنُونٌ، إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْت.
(وَ) فِي غَيْرِ (طَوَافِ قُدُومٍ وَسَعْيٍ بَعْدَهُ)، لِئَلَّا يُخَلِّطَ عَلَى الطَّائِفِينَ وَالسَّامِعِينَ (وَتُشْرَعُ) تَلْبِيَةٌ (بِالْعَرَبِيَّةِ لِقَادِرٍ) عَلَيْهَا كَأَذَانٍ، (وَإِلَّا) يَقْدِرَ عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَيُلَبِّي (بِلُغَتِهِ)، لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى، (وَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُ تَلْبِيَةٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) نَصًّا، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: سُئِلَ الْأَثْرَمُ: مَا شَيْءٌ تَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُلَبُّونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ، قُلْت: أَلَيْسَ يُجْزِئُهُ مَرَّةً؟ قَالَ: بَلَى. (وَاخْتَارَ بَعْضٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحِ، قَالَا: (تَكْرَارُهَا ثَلَاثًا دُبُرَ الصَّلَاةِ حَسَنٌ)، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. (وَكُرِهَ لِأُنْثَى جَهْرٌ) بِتَلْبِيَةٍ (بِأَكْثَرَ مَا تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا) مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا، لَكِنْ يُعْتَبَرُ أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا التَّلْبِيَةَ وِفَاقًا قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: وَخُنْثَى مُشْكِلٌ كَأُنْثَى (وَ) كُرِهَ (لَطَائِفٍ بِالْبَيْتِ) جَهْرٌ بِهَا لِئَلَّا يُشْغِلَ الطَّائِفِينَ عَنْ طَوَافِهِمْ وَأَذْكَارِهِمْ الْمَشْرُوعَةِ لَهُمْ. (وَلَا بَأْسَ بِتَلْبِيَةِ حَلَالٍ) كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ.

.(بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ):

أَيْ: الْمَمْنُوعِ، فِعْلُهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ شَرْعًا، وَهِيَ (مَا حُرِّمَ عَلَى مُحْرِمٍ) فِعْلُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ (وَهِيَ تِسْعَةٌ): (أَحَدُهَا إزَالَةُ شَعْرٍ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَلَوْ مِنْ أَنْفٍ بِلَا عُذْرٍ) بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، نَصَّ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ وَعَدَّى إلَى شَعْرِ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، إذْ حَلْقُهُ يُؤْذِنُ بِالرَّفَاهِيَةِ، وَهُوَ يُنَافِي الْإِحْرَامَ لِكَوْنِ الْمُحْرِمِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ وَقِيسَ عَلَى الْحَلْقِ النَّتْفُ وَالْقَلْعُ، لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا عُبِّرَ بِهِ فِي النَّصِّ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، فَإِنْ حَصَلَ لَهُ أَذًى (كَخُرُوجِ شَعْرٍ بِعَيْنَيْهِ، وَنُزُولِ شَعْرِ حَاجِبَيْهِ عَلَيْهِمَا فَيُزِيلُهُ، وَلَا فِدْيَةَ كَإِزَالَتِهِ)، أَيْ: الشَّعْرِ (مَعَ غَيْرِهِ بِقَطْعِ عُضْوٍ أَوْ جِلْدٍ) عَلَيْهِمَا شَعْرٌ، فَلَا فِدْيَةَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِغَيْرِهِ وَالتَّابِعُ لَا يُفْرَدُ بِحُكْمٍ، كَقَطْعِ أَشْعَارِ عَيْنَيْ إنْسَانٍ يَضْمَنُهُمَا دُونَ أَهْدَابِهِمَا. (وَإِنْ حَصَلَ أَذًى بِغَيْرِ شَعْرٍ كَمَرَضٍ وَحَرٍّ وَقَمْلٍ وَصُدَاعٍ وَقَرْعٍ أَزَالَهُ)، أَيْ: الشَّعْرَ، (وَفَدَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، وَلِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ: حُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى الْجَهْدَ يَبْلُغُ بِكَ مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟ قُلْتُ: لَا فَنَزَلَتْ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ} قَالَ: هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (الثَّانِي: إزَالَةُ ظُفْرِ يَدٍ، أَوْ) ظُفْرِ (رِجْلٍ) أَصْلِيَّةً أَوْ زَائِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَشْبَهَ إزَالَةَ الشَّعْرِ (بِلَا عُذْرٍ، فَإِنْ) عُذِرَ، بِأَنْ (كُسِرَ ظُفْرُهُ أَوْ وَقَعَ بِهِ مَرَضٌ فَأَزَالَهُ)، لَمْ يُحَرَّمْ، (أَوْ) زَالَ الظُّفْرُ (مَعَ غَيْرِهِ) كَمَا لَوْ زَالَ (مَعَ أُصْبُعِهِ، فَلَا فِدْيَةَ) لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ. (وَتَجِبُ) الْفِدْيَةُ (فِيمَا)، أَيْ: لِشَعْرٍ، (عُلِمَ أَنَّهُ بَانَ بِمُشْطٍ أَوْ) بَانَ (بِتَخْلِيلٍ)، كَمَا لَوْ زَالَ بِغَيْرِهِمَا، (وَلَوْ) كَانَ (نَاسِيًا) إذْ لَا أَثَرَ لِلْقَصْدِ وَعَدَمِهِ فِيمَا فِيهِ فِدْيَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَيْتًا فَقَطْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَهِيَ)، أَيْ: الْفِدْيَةُ (فِي كُلِّ فَرْدٍ)، أَيْ: لِشَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ ظُفْرٍ وَاحِدٍ (أَوْ بَعْضِهِ)، أَيْ: الْفَرْدِ (مِنْ دُونِ ثَلَاثٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ ظُفْرٍ)، كَشَعْرَتَيْنِ أَوْ ظُفْرَيْنِ أَوْ بَعْضِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَبَعْضِ آخَرَ (إطْعَامُ مِسْكِينٍ) وَعَنْ كُلِّ ظُفْرٍ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا وَجَبَ فِدْيَةً شَرْعًا. (وَفِي ثَلَاثِ) شَعَرَاتٍ أَوْ أَظْفَارٍ (الْفِدْيَةُ)، وَهِيَ: شَاةٌ أَوْ: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كَمَا يَأْتِي فِي الْفِدْيَةِ. (وَتُسْتَحَبُّ) الْفِدْيَةُ (مَعَ شَكٍّ): هَلْ بَانَ الشَّعْرُ بِمَشْطٍ أَوْ تَخْلِيلٍ، أَوْ كَانَ مَيْتًا؟ وَكَذَا لَوْ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَشَكَّ: هَلْ سَقَطَ شَيْءٌ، احْتِيَاطًا (وَمَنْ طَيَّبَ حَيًّا) بِإِذْنِهِ، (أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ) بِإِذْنِهِ، (أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ بِإِذْنِهِ)، فَعَلَى الْمُطَيَّبِ وَالْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ وَالْمُقَلَّمِ ظُفْرُهُ بِإِذْنِهِ الْفِدْيَةُ؛ لِتَفْرِيطِهِ، (أَوْ سَكَتَ) مَفْعُولٌ بِهِ ذَلِكَ: (وَلَمْ يَنْهَهُ)، أَيْ: وَلَمْ يَنْهَ الْفَاعِلَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، (وَلَوْ) وَقَعَ ذَلِكَ (مِنْ مُحْرِمٍ) لِمُحْرِمٍ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ دُونَ الْفَاعِلِ، (وَ) حَلَقَ رَأْسَ نَفْسِهِ، أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَ نَفْسِهِ (بِيَدِهِ كُرْهًا، فَعَلَيْهِ)-، أَيْ: الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ، وَالْمُقَلَّمِ ظُفْرُهُ، لَا مَنْ تَطَيَّبَ مُكْرَهًا- (الْفِدْيَةُ)؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ بِحَلْقِ الرَّأْسِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ غَيْرَهُ يَحْلِقُهُ، وَلِأَنَّ الشَّعْرَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ، فَإِذَا سَكَتَ، وَلَمْ يَنْهَ الْحَالِقَ، فَقَدْ فَرَّطَ فِيهِ فَيَضْمَنُهُ، وَلِأَنَّهُ إتْلَافٌ، وَهُوَ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ بَاشَرَهُ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا، (وَ) إنْ كَانَ مَحْلُوقًا رَأْسُهُ (مُكْرَهًا) وَحُلِقَتْ رَأْسُهُ (بِيَدِ غَيْرِهِ، أَوْ) كَانَ (نَائِمًا) وَحُلِقَتْ رَأْسُهُ، فَالْفِدْيَةُ (عَلَى فَاعِلٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا مُنِعَ مِنْ إزَالَتِهِ كَحَلْقِ مُحْرِمٍ رَأْسَ نَفْسِهِ، (وَلَا فِدْيَةَ بِحَلْقِ مُحْرِمٍ) شَعْرَ حَلَالٍ (أَوْ تَطْيِيبِهِ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ (حَلَالًا) بِلَا مُبَاشَرَةِ طِيبٍ، وَكَذَا لَوْ قَلَّمَ ظُفْرَ حَلَالٍ، أَوْ أَلْبَسَهُ مِخْيَطًا؛ لِإِبَاحَتِهِ لِلْحَلَالِ، (وَيُبَاحُ) لِمُحْرِمٍ (غَسْلُ شَعْرِهِ بِنَحْوِ سِدْرٍ) كَصَابُونٍ وَأُشْنَانٍ، (وَ) لَهُ (حَكُّ بَدَنِهِ) وَرَأْسِهِ (بِرِفْقٍ) نَصًّا (بِلَا قَطْعِ شَعْرٍ)، فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَأَرْخَصَ فِيهِ عَلِيٌّ وَجَابِرٌ، وَلَيْسَ لَهُ تَسْرِيحُ شَعْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِقَطْعِهِ.

.(فَرْعٌ): [الفدية في إزَالَةِ شَعْرٍ وَطِيبٍ وَلِبْسٍ]:

(حُكْمُ رَأْسٍ وَبَدَنٍ فِي إزَالَةِ شَعْرٍ وَطِيبٍ وَلِبْسٍ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَمْ يَخْتَلِفْ إلَّا مَوْضِعُهُ، (فَلَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ) فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، (أَوْ) حَلَقَ (ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُمَا)، أَيْ: رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ، (أَوْ تَطَيَّبَ) فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ، (أَوْ لَبِسَ فِيهِمَا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ إتْلَافٌ فَهُوَ آكَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، فَهُنَا أَوْلَى (الثَّالِثُ: تَعَمُّدُ تَغْطِيَةِ رَأْسٍ) لِذَكَرٍ إجْمَاعًا، (وَمِنْهُ الْأُذُنَانِ) «لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمُحْرِمَ عَنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ» وَقَوْلِهِ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَمَتَى غَطَّاهُ)، أَيْ: الرَّأْسَ، بِلَاصِقٍ مُعْتَادٍ كَبُرْنُسٍ وَعِمَامَةٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ بِقِرْطَاسٍ بِهِ دَوَاءٌ، أَوْ لَا) دَوَاءَ بِهِ، (أَوْ) غَطَّاهُ (بِطِينٍ أَوْ نُورَةٍ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ عَصَبَهُ وَلَوْ بِيَسِيرٍ) بِلَا عُذْرٍ، حَرُمَ وَفَدَى؛ لِحَدِيثِ: «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» وَغَيْرَ أَنْ يَشُدَّ الرَّجُلُ رَأْسَهُ بِالسَّيْرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (أَوْ) سَتَرَهُ بِغَيْرِ لَاصِقٍ، بِأَنْ (اسْتَظَلَّ بِمَحْمَلٍ وَنَحْوِهِ) كَمِحَفَّةٍ، (أَوْ) اسْتَظَلَّ (بِنَحْوِ ثَوْبٍ) كَخُوصٍ أَوْ رِيشٍ يَعْلُو الرَّأْسَ وَلَا يُلَاصِقُهَا، (رَاكِبًا أَوْ لَا حَرُمَ بِلَا عُذْرٍ وَفَدَى) لُزُومًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ، أَوْ لِأَنَّهُ سَتَرَهُ بِمَا يُسْتَدَامُ وَيُلَازِمُهُ غَالِبًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَتَرَهُ بِشَيْءٍ يُلَاقِيهِ بِخِلَافٍ نَحْوَ خَيْمَةٍ. وَيُحْرِمُ وَلَا يَفْدِي مُحْرِمٌ (إنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا) كَطَبَقٍ وَمِكْتَلٍ، (أَوْ نَصَبَهُ حِيَالَهُ)، أَيْ: نَصَبَ شَيْئًا بِإِزَائِهِ وَمُقَابَلَتِهِ، وَاسْتَظَلَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، أَشْبَهَ الِاسْتِظْلَالَ بِحَائِطٍ تَحْتَهَا، (أَوْ اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ)، وَلَوْ بِطَرْحِ شَيْءٍ عَلَيْهَا يَسْتَظِلُّ بِهِ تَحْتَهَا (أَوْ بِبَيْتٍ)؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَأَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ». (أَوْ غَطَّى) مُحْرِمٌ ذَكَرٌ (وَجْهَهُ) بِلَا مَخِيطٍ، فَلَا إثْمَ وَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ سُنَّةُ التَّقْصِيرِ مِنْ الرِّجْلِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ سُنَّةُ التَّخْمِيرِ كَبَاقِي بَدَنِهِ (أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ لَبَّدَهُ بِعَسَلٍ وَصَمْغٍ وَنَحْوِهِ خَوْفَ نَحْوَ غُبَارٍ أَوْ شُعْثٍ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (الرَّابِعُ: تَعَمَّدَ لُبْسَ) ذَكَرٍ (الْمَخِيطَ مُطْلَقًا) قَلَّ أَوْ كَثُرَ فِي بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ مِمَّا عَمِلَ عَلَى قَدْرِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَلْبُوسُ (عِمَامَةً أَوْ قُفَّازَيْنِ): تَثْنِيَةُ قُفَّازٍ كَتُفَّاحٍ، وَهُمَا (يُعْمَلَانِ لِلْيَدَيْنِ) كَمَا يُعْمَلُ لِأَجْلِ (الْبُزَاةِ، أَوْ) كَانَ الْمَخِيطُ (خُفَّيْنِ) لِأَنَّهُمَا مِنْهُ (إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ) الْمُحْرِمُ (إزَارًا فَيَلْبَسَ سَرَاوِيلَ أَوْ) لَا يَجِدَ (نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسَ نَحْوَ خُفَّيْنِ كَرَانٍ)، وسرموزة؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «سُئِلَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ اللُّبْسِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَجَوْرَبٍ فِي كَفٍّ، وَخُفٍّ فِي رَأْسٍ. (وَحَرُمَ قَطْعُهُمَا)، أَيْ: الْخُفَّيْنِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ، يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، رَوَاهُ الْأَثْبَاتُ، وَلَيْسَ فِيهِ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا شُعْبَةُ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثَيْنِ قَطْعَ الْخُفَّيْنِ، قَالَ عَلِيٌّ: قَطْعُ الْخُفَّيْنِ فَسَادٌ، وَلِأَنَّ قَطْعَهُمَا لَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ حَالَةِ الْحَظْرِ؛ إذْ لُبْسُ الْمَقْطُوعِ كَلُبْسِ الصَّحِيحِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَفِيهِ إتْلَافُ مَالِيَّةِ الْخُفِّ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْقَطْعِ اُخْتُلِفَ فِيهَا، فَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ بِالْمَدِينَةِ؛ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ. فَذَكَرَهُ، وَخَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَاتٍ، فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لِلْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ أَكْثَرُهُمْ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ-: الْمُطْلَقُ يَقْضِي عَلَى الْمُقَيَّدِ- مَحِلُّهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ تَأْوِيلُهُ، وَعَنْ قَوْلِهِ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ زِيَادَةُ لَفْظٍ بِأَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِيهِمَا زِيَادَةُ حُكْمٍ هُوَ جَوَازُ اللُّبْسِ بِلَا قَطْعٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: الْعَجَبُ مِنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا، أَيْ: قَوْلِهِ بِعَدَمِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُهُ، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يُخَالِفُ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ، كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُتَبَحِّرِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ أَيَّدَهُمْ اللَّهُ بِمَعُونَتِهِ فِي جَمْعِهِمْ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، (حَتَّى يَجِدَ إزَارًا وَنَعْلَيْنِ وَلَا فِدْيَةَ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَإِنْ شَقَّ إزَارُهُ وَشَدَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ، فَكَسَرَاوِيلَ، وَإِنْ وَجَدَ نَعْلًا لَا يُمْكِنُهُ لُبْسُهَا فَلَبِسَ الْخُفَّ، فَدَى نَصًّا، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، (وَعَنْهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ، (بِقَطْعِهِمَا)، أَيْ: الْخُفَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا (حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَجَوَّزَهُ)، أَيْ: الْقَطْعَ، (جَمْعٌ)، مِنْهُمْ: أَبُو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، (عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ)، أَيْ: حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَقَدَّمَ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَأَخَذُوا بِالِاحْتِيَاطِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ. (وَيَتَّجِهُ: صِحَّتُهُ)، أَيْ: الْقَوْلِ بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ (إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ)، أَيْ: الْمَقْطُوعِ بِالْقَطْعِ؛ إذْ الْعِلَّةُ فِيهِ إفْسَادُهُ بِالْإِتْلَافِ، وَحَيْثُ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلَا إتْلَافَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَوْلَا قُوَّةُ الْمُعَارِضِ. (وَإِنْ لَبِسَ مَقْطُوعًا) مِنْ خُفٍّ وَنَحْوِهِ (دُونَ الْكَعْبَيْنِ مَعَ وُجُودِ نَعْلٍ، حَرُمَ) كَلُبْسِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ كَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَخِيطًا، (وَفَدَى) لِلُبْسِهِ كَذَلِكَ، (وَتُبَاحُ) لِلْمُحْرِمِ (نَعْلٌ) لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ، وَهِيَ الْحِذَاءُ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَتُطْلَقُ عَلَى التَّاسُومَةِ. (وَلَوْ كَانَتْ النَّعْلُ بِعَقِبٍ وَقُيِّدَ، وَهُوَ: السَّيْرُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الزِّمَامِ) لِلْعُمُومَاتِ، (وَلَا يَعْقِدُ) الْمُحْرِمُ (عَلَيْهِ رِدَاءً، أَوْ)، أَيْ: وَلَا (مِنْطَقَةً أَوْ غَيْرَهُمَا)؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: وَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَتَرَفَّهُ بِذَلِكَ، أَشْبَهَ اللِّبَاسَ، (وَلَا يَجْعَلُ لِذَلِكَ)، أَيْ: الْمِنْطَقَةِ وَالرِّدَاءِ وَنَحْوِهِمَا (زِرًّا وَعُرْوَةً، وَلَا يُخِلُّهُ بِشَوْكَةٍ أَوْ إبْرَةٍ أَوْ خَيْطٍ، أَوْ، أَيْ: وَلَا يَغْرِزُ أَطْرَافَهُ فِي إزَارِهِ، فَإِنْ فَعَلَ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ أَثِمَ وَ(فَدَى)؛ لِأَنَّهُ كَمَخِيطٍ، (إلَّا إزَارَهُ)، فَلَهُ عَقْدُهُ لِذَلِكَ؛ لِحَاجَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، (وَ) إلَّا (مِنْطَقَةً وَهِمْيَانًا فِيهِمَا نَفَقَةٌ مَعَ حَاجَةٍ لِعَقْدٍ)، وَهِيَ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْهِمْيَانُ أَوْ الْمِنْطَقَةُ إلَّا بِالْعَقْدِ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: أَوْثِقْ عَلَيْكَ نَفَقَتَكَ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى عَقْدِهِ، فَجَازَ كَعَقْدِ الْإِزَارِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِإِدْخَالِ السُّيُورِ بَعْضِهَا فِي بَعْضِ، لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفَقَةٌ. (وَيَتَقَلَّدُ) الْمُحْرِمُ (بِسَيْفٍ لِحَاجَةٍ)؛ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: «لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَهُمْ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ الْقِرَابِ بِمَا فِيهِ» وَهَذَا ظَاهِرٌ بِإِبَاحَتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَأْمَنُونَ أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ، (وَحَرُمَ) التَّقَلُّدُ بِسَيْفٍ (بِدُونِهَا)، أَيْ: الْحَاجَةِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَحْمِلُ الْمُحْرِمُ السِّلَاحَ فِي الْحَرَمِ.
(وَ) لَا يَجُوزُ (حَمْلُ سِلَاحٍ بِمَكَّةَ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يَتَقَلَّدُ بِمَكَّةَ إلَّا لِخَوْفٍ، وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ» (وَيَحْمِلُ) مُحْرِمٌ (جِرَابَهُ وَقِرْبَةَ الْمَاءِ فِي عُنُقِهِ)، قَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو لَا بَأْسَ وَ(لَا) يُدْخِلُ حَبْلَهَا فِي (صَدْرِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، (وَلَهُ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ، (شَدُّ وَسَطٍ بِنَحْوِ مِنْدِيلٍ وَحَبْلٍ إذَا لَمْ يَعْقِدْهُ)، قَالَ أَحْمَدُ فِي مُحْرِمٍ حَزَّمَ عِمَامَتَهُ عَلَى وَسَطِهِ: لَا يَعْقِدُهَا وَيُدْخِلُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، قَالَ طَاوُسٌ: فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ (وَ) لَهُ (أَنْ يَتَّزِرَ وَيَلْتَحِفَ)، أَيْ: يَتَغَطَّى، (بِقَمِيصٍ وَيَرْتَدِيَ بِهِ)، أَيْ: يَجْعَلَهُ مَكَانَ الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُلْبَسُ مَخِيطٌ مَصْنُوعٌ لِمِثْلِهِ، (وَ) لَهُ أَنْ يَرْتَدِيَ (بِرِدَاءٍ مُوَصَّلٍ بِلَا عَقْدٍ)؛ لِأَنَّ الرِّدَاءَ لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ صَحِيحًا، (وَإِنْ طَرَحَ) مُحْرِمٌ (عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً، فَدَى وَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي كُمَّيْهِ) «لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ لُبْسِهِ لِلْمُحْرِمِ» رَوَاه ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَرَوَاهُ النِّجَادُ عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّهُ عَادَةُ لُبْسِهِ كَالْقَمِيصِ (وَإِنْ غَطَّى خُنْثَى مُشْكِلٌ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ) فَدَى لِتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ وَجْهِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، (أَوْ) غَطَّى خُنْثَى مُشْكِلٌ (وَجْهَهُ، وَلَبِسَ مَخِيطًا، فَدَى) لِلُبْسِ الْمَخِيطِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ لِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَيَفْدِي خُنْثَى مُشْكِلٌ (إنْ لَبِسَهُ)، أَيْ: الْمَخِيطَ وَلَمْ يُغَطِّ وَجْهَهُ، (أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ بِلَا لُبْسِ) مَخِيطٍ لِلشَّكِّ، (وَمَنْ خَافَ) بِتَرْكِ اللُّبْسِ (بَرْدًا) لَبِسَ وَفَدَى، كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ صَيْدٍ، (أَوْ اسْتَحْيَا مِنْ عَيْبٍ)، كَقُرُوحٍ بِبَدَنِهِ أَوْ غَيْرِهَا (يَطَّلِعُ عَلَيْهِ) أَحَدٌ، (لَبِسَ وَفَدَى)، نَصَّ عَلَيْهِ. (الْخَامِسُ: تَعَمَّدَ الطِّيبَ) إجْمَاعًا (مَسًّا وَشَمًّا وَاسْتِعْمَالًا)؛ لِحَدِيثٍ: «وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ» وَ«أَمْرِهِ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ بِغَسْلِ الطِّيبِ» وَقَوْلِهِ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: «لَا تُحَنِّطُوهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَلِمُسْلِمٍ: «لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ» (فَمَتَى طَيَّبَ مُحْرِمٌ ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنَهُ) أَوْ شَيْئًا مِنْهُمَا حَرُمَ وَفَدَى (أَوْ اسْتَعْمَلَ) مُحْرِمٌ (فِي أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ ادِّهَانٍ أَوْ اكْتِحَالٍ أَوْ إسْقَاطٍ أَوْ احْتِقَانٍ طِيبًا يَظْهَرُ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ) فِي الْمَذْكُورَاتِ، حَرُمَ وَفَدَى، (أَوْ قَصَدَ) مُحْرِمٌ (شَمَّ دُهْنٍ مُطَيِّبٍ أَوْ) قَصَدَ شَمَّ (مِسْكٍ، أَوْ) شَمَّ (كَافُورٍ أَوْ عَنْبَرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ): نَبْتٍ أَصْفَرَ كَالسِّمْسِمِ بِالْيَمَنِ تُتَّخَذُ مِنْهُ الْحُمْرَةُ لِلْوَجْهِ، حَرُمَ وَفَدَى، وَلَوْ جَلَسَ عِنْدَ عَطَّارٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَشَمُّ الطِّيبَ، (أَوْ) قَصَدَ شَمَّ (بَخُورِ عُودٍ وَنَحْوِهِ) كَعَنْبَرٍ وَلَوْ حَالَ تَجْمِيرِ الْكَعْبَةِ حَرُمَ وَفَدَى (أَوْ) قَصَدَ شَمَّ (مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ لِطِيبٍ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ) الطِّيبُ (كَوَرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَالسِّينِ مُعَرَّبٌ، (وَكَمَنْثُورٍ)، وَهُوَ: الْخَيْرِيُّ (وَنَيْلُوفَرَ وَيَاسَمِينٍ وَبَانٌ، وَزَنْبَقٍ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ، يُقَالُ: إنَّهُ الْيَاسَمِينُ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ غَيْرُهُ، لَكِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي طَبْعِهِ (وَشَمِّهِ)، حَرُمَ وَفَدَى، (أَوْ مَسَّ مَا يَعْلَقُ بِهِ)، أَيْ: الْمَمْسُوسِ، (كَمَاءِ وَرْدٍ وَسَحِيقٍ نَحْوَ مِسْكٍ، حَرُمَ وَفَدَى) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ، فَوَجَبَ بِهِ الْفِدْيَةُ كَاللِّبَاسِ، وَ(لَا) إثْمَ وَلَا فِدْيَةَ (إنْ شَمَّ) مُحْرِمٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (بِلَا قَصْدٍ)، كَمَنْ دَخَلَ سُوقًا، أَوْ الْكَعْبَةَ لِلتَّبَرُّكِ، وَمُشْتَرِي الطِّيبِ لِنَحْوِ تِجَارَةٍ، وَلَمْ يَمَسَّهُ، وَلَهُ تَقْلِيبُهُ وَحَمْلُهُ وَلَوْ ظَهَرَ رِيحُهُ؛ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. (أَوْ مَسَّ) مُحْرِمٌ مِنْ طِيبٍ، (مَا لَا يَعْلَقُ بِهِ، كَقِطَعٍ نَحْوَ مِسْكٍ) وَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ لِلطِّيبِ، (أَوْ شَمَّ) مُحْرِمٌ (وَلَوْ قَصْدًا فَوَاكِهَ) مِنْ نَحْوِ تُفَّاحٍ وَأُتْرُجٍّ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ طِيبًا، (أَوْ) شَمَّ وَلَوْ قَصْدًا (عُودًا)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَطَيَّبُ بِهِ بِالشَّمِّ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بَخُورَهُ (أَوْ) شَمَّ وَلَوْ قَصْدًا (نَبَاتَ صَحْرَاءَ، كَخُزَامَى وَشِيحٍ وَقَيْصُومٍ وَنَرْجِسَ وَإِذْخِرٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ، وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، وَلَا يُسَمَّى مُتَطَيِّبًا عَادَةً، (أَوْ) شَمَّ (مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ لَا بِقَصْدِ طِيبٍ كَحِنَّاءٍ وَعُصْفُرٍ): بِضَمِّ أَوَّلِهِ، (وَقَرَنْفُلٍ)، وَيُقَالُ: قرنفول: ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ بسغالة الْهِنْدِ أَفْضَلُ الْأَفَاوِيهِ الْحَارَّةِ وَأَزْكَاهَا، (وَدَارُ صِينِيٍّ)، وَمِنْ أَنْوَاعِهِ الْقِرْفَةُ (وَنَحْوُهَا) كَالزَّرْنَبِ، (أَوْ شَمَّ) مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ (لِقَصْدِهِ)، أَيْ: الطِّيبِ، (وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ) طِيبٌ (كَرَيْحَانٍ فَارِسِيٍّ وَهُوَ الْحَبَقُ) يُشْبِهُ النَّمَّامَ: نَبَاتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَالرَّيْحَانُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْآسُ، وَلَا شَيْءَ فِي شَمِّهِ، (وَكَنَمَّامٍ وَبَرَمٍ)، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، (وَهُوَ: ثَمَرُ الْعِضَاه كَأُمِّ غِيلَانٍ)، وَنَرْجِسَ (وَمَرْدَقُوشٍ)، وَهُوَ السمسق، نَافِعٌ لِعُسْرِ الْبَوْلِ وَالْمَغَصِ، وَلَسْعَةِ الْعَقْرَبِ، (أَوْ ادَّهَنَ) مُحْرِمٌ بِدُهْنٍ (غَيْرِ مُطَيِّبٍ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ نَصًّا، وَلَوْ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ)، فَلَا إثْمَ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، (أَوْ شَمَّ) طِيبًا (بِلَا قَصْدٍ، كَجَالِسٍ عِنْدَ عَطَّارٍ لِحَاجَةٍ) لَا لِشَمِّ الطِّيبِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، (وَ) لَا عَلَى (حَامِلِهِ)، أَيْ: الطِّيبِ، (وَمُقَلِّبِهِ بِلَا مَسٍّ وَ) لَا عَلَى (دَاخِلِ سُوقٍ وَكَعْبَةٍ) لِيَتَبَرَّكَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (وَيَأْتِي) فِي بَابِ الْفِدْيَةِ (إذْ اسْتَعْمَلَهُ)، أَيْ: الطِّيبَ، (نَحْوَ نَاسٍ وَذَكَرَ)، فَيَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ بِمَهْمَا أَمْكَنَ مِنْ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِزَالَةُ. (السَّادِسُ: قَتْلُ صَيْدِ بَرٍّ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ أَذَاهُ وَتَنْفِيرُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ: «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» (وَاصْطِيَادُهُ)، أَيْ: صَيْدِ الْبَرِّ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ أَوْ يَجْرَحْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (وَهُوَ)، أَيْ: صَيْدُ الْبَرِّ، (الْوَحْشِيُّ الْمَأْكُولُ، أَوْ الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ)، أَيْ: الْوَحْشِيِّ الْمَأْكُولِ، (وَمِنْ غَيْرِهِ) كَمُتَوَلَّدٍ بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ، أَوْ مَأْكُولٍ وَحْشِيٍّ وَغَيْرِهِ، كَسَمْعٍ، تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، (وَالِاعْتِبَارُ) فِي كَوْنِهِ وَحْشِيًّا أَوْ أَهْلِيًّا (بِأَصْلِهِ، فَحَمَامٌ وَبَطٌّ، وَهُوَ: الْإِوَزُّ، وَحْشِيٌّ وَإِنْ تَأَهَّلَ) اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ، (وَعَكْسُهُ نَحْوُ جَامُوسٍ) كَإِبِلٍ (تَوَحَّشَ)، فَلَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي بَقَرَةٍ صَارَتْ وَحْشِيَّةً: لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْأَبْنِيَةُ، (فَإِذَا أَتْلَفَ مُحْرِمًا صَيْدًا، أَوْ) أَتْلَفَ (بَعْضَهُ، أَوْ أَتْلَفَ بِيَدِهِ بِمُبَاشَرَةٍ، أَوْ بِسَبَبٍ، وَلَوْ) كَانَ السَّبَبُ (بِجِنَايَةِ دَابَّةِ) مُحْرِمٍ (مُتَصَرِّفٍ فِيهَا)، بِأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا، فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ بِيَدِهَا وَفَمِهَا، لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا نَفْحًا لَا وَطْئًا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْغَصْبِ، وَإِنْ انْفَلَتَتْ، لَمْ يَضْمَنْ مَا أَتْلَفَتْهُ، (أَوْ أَشَارَ) مُحْرِمٌ، (أَوْ دَلَّ مُرِيدَ صَيْدِهِ، وَلَمْ يَرَهُ) الصَّائِدُ قَبْلَ دَلَالَةِ الْمُحْرِمِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى دَالِّهِ، وَلَا مُشِيرَ بَعْدَ أَنْ رَآهُ مَنْ يُرِيدُ صَيْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي تَلَفِهِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ ضَحِكَ) مُحْرِمٌ (وَقَصَدَهَا)، أَيْ: دَلَالَةَ مُرِيدِ الصَّيْدِ، تَنْزِيلًا لِلضَّحِكِ مَنْزِلَةَ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ: مِنْ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمُحْرِمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ ضَحِكٌ، أَوْ اسْتِشْرَافُ نَفْسٍ فَفَطِنَ لَهُ الْحَلَالُ؛ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا ضَمَانَ، إذْ حُصُولُ ذَلِكَ مِنْهُ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ دَلَالَةٍ، فَلَا يَكُونُ مُفْرِطًا. (أَوْ أَعَانَهُ)، أَيْ: أَعَانَ الْمُحْرِمُ مَنْ يُرِيدُ صَيْدًا، (وَلَوْ) كَانَتْ إعَانَتُهُ (بِمُنَاوَلَةٍ أَوْ إعَارَةِ آلَةِ صَيْدٍ)، كَرُمْحٍ وَسِكِّينٍ (لِصَيْدٍ)، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الصَّائِدِ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ، أَوْ لَا، (حَرُمَ، وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ)؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمُحَرَّمِ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ؛ لِحَدِيثِ «أَبِي قَتَادَةَ، لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ، وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَشَارَ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْكُمْ، أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا». وَفِيهِ: أَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَلَمْ يَأْذَنُونِي، وَأَحَبُّوا أَنِّي لَوْ أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، قَالُوا: لَا وَاَللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ. وَفِيهِ: إذْ أَبْصَرْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ. وَفِيهِ: فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِي، فَضَحِكَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ إذْ نَظَرْتُ، فَإِذَا بِحِمَارٍ وَحْشِيٍّ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَاسْتَعَنْتَهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ (مُحْرِمٌ)، وَيَكُونُ الدَّالُ وَنَحْوُهُ مُحْرِمًا، فَجَزَاؤُهُ (بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الْقَاتِلِ وَالدَّالِ وَنَحْوِهِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ، فَكَذَا فِي الْجَزَاءِ، وَ(لَا) حُرْمَةَ (إنْ دَلَّ) مُحْرِمٌ حَلَالًا (عَلَى طِيبٍ وَلِبَاسٍ)؛ لِعَدَمِ ضَمَانِهِمَا بِالسَّبَبِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالدَّالِ عَلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ عَلَى الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِالدَّالِ، وَهُوَ: تَحْرِيمُ الْأَكْلِ مِنْهُ، وَوُجُوبُ الْجَزَاءِ إذَا كَانَ مَنْ دَلَّهُ الْمُحْرِمُ حَلَالًا، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا حُرْمَةَ، وَلَا جَزَاءَ إنْ (نَاوَلَهُ)، أَيْ: نَاوَلَهُ، أَيْ: نَاوَلَ الْمُحْرِمُ حَلَالًا (وَنَحْوَهُ)، أَيْ: نَحْوَ الْمُنَاوَلَةِ، بِأَنْ أَعَارَهُ (الْآلَةَ) الْمُعَدَّةَ لِلصَّيْدِ (لَا لِ) أَجْل (صَيْدٍ، فَصَادَ) الْحَلَالُ (بِهَا)؛ لِعَدَمِ قَصْدِهِ بِالْمُنَاوَلَةِ وَنَحْوِهَا ذَلِكَ، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا حُرْمَةَ، وَلَا جَزَاءَ إنْ (دَلَّ حَلَالٌ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ) بِغَيْرِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْحَلَالِ حَلَالٌ، فَدَلَالَتُهُ أَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ: وَيَحْرُمُ) أَنْ يَدُلَّ حَلَالٌ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ كَذَا قَالَ، وَلَعَلَّ هَذَا وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْمُصَنِّفِ إذْ عِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ كَعِبَارَتِهِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مُوَافِقٌ لِلْإِقْنَاعِ فِي إبَاحَةِ دَلَالَةِ الْحَلَالِ مُحْرِمًا عَلَى الصَّيْدِ، (وَيَضْمَنُهُ مُحْرِمٌ وَحْدَهُ) أَيْ: دُونَ الْحَلَالِ الدَّالِ وَنَحْوِهِ، (كَشَرِيكِ سَبُعٍ)، أَيْ: كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ مُحْرِمٌ وَسَبُعٌ فِي الْحِلِّ، فَالْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ، فَغَلَبَ الْإِيجَابُ، كَمَا لَوْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْضَهُ فِي الْحَرَمِ، (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ (بِحَرَمٍ، فَيَشْتَرِكَانِ) أَيْ: الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ فِي الْجَزَاءِ كَالْحَرَمَيْنِ؛ لِتَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ. (وَلَوْ جَرَحَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ (نَحْوُ حَلَالٍ) كَسَبْعٍ، (ثُمَّ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مَجْرُوحًا) اعْتِبَارًا بِحَالِ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الضَّمَانِ، (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ جَرَحَهُ مُحْرِمٌ، ثُمَّ قَتَلَهُ حَلَالٌ؛ فَعَلَى الْمُحْرِمِ (أَرْشُ جَرْحِهِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سِوَى الْجَرْحِ، وَلَوْ كَانَ جَرْحُهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، وَمَاتَ مِنْهُمَا؛ فَالْجَزَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْمُحْرِمِ، تَغْلِيبًا لِلْوُجُوبِ، وَإِنْ جَرَحَهُ مُحْرِمٌ، ثُمَّ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ جَرْحِهِ، وَعَلَى الثَّانِي تَتِمَّةُ الْجَزَاءِ. (وَلَوْ رَمَاهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ شَخْصٌ حَالَ كَوْنِهِ (حَلَالًا، ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ إصَابَةٍ) لِصَيْدٍ، (ضَمِنَهُ)؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ كَانَ مُحْرِمًا، (وَ) لَوْ رَمَاهُ (مُحْرِمًا، ثُمَّ حَلَّ قَبْلَهَا)، أَيْ: الْإِصَابَةِ، (لَمْ يَضْمَنْ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ. (وَلَوْ دَلَّ حَلَالٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدِ حَرَمٍ، فَ) جَزَاؤُهُ (بَيْنَهُمَا)، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا، أَوْ) دَلَّ (حَلَالٌ حَلَالًا) عَلَى صَيْدٍ (بِحَرَمٍ، ثُمَّ دَلَّ الْآخَرُ آخَرَ) ثُمَّ كَذَلِكَ (إلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا، فَقَتَلَهُ عَاشِرٌ، فَ) الْجَزَاءُ (عَلَى الْكُلِّ)؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْإِثْمِ وَالتَّسَبُّبِ، (وَإِنْ نَصَبَ) حَلَالٌ (نَحْوَ شَبَكَةٍ) كَفَخٍّ، (ثُمَّ أَحْرَمَ، أَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ)، كَمَا لَوْ حَفَرَهَا فِي دَارِهِ أَوْ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي مَوَاتٍ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) مَا حَصَلَ مِنْ تَلَفِ صَيْدٍ بِنَصْبِ الشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا، وَحَفْرِ الْبِئْرِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ (إلَّا أَنْ تُحِيلَ) عَلَى الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ بِنَصْبِ نَحْوِ الشَّبَكَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ، لِيَأْخُذَهُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ؛ فَيَضْمَنُ عُقُوبَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ، كَنَصْبِ الْيَهُودِ الشَّبَكَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَخْذِهِمْ يَوْمَ الْأَحَدِ مَا سَقَطَ فِيهَا، فَعُوقِبُوا عَلَى ذَلِكَ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يَنْسَخُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِحَقٍّ، كَحَفْرِهَا بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ، ضَمِنَ كَالْآدَمِيِّ إذَا تَلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (وَحَرُمَ أَكْلُهُ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ (مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ)، أَيْ: مَا صَادَهُ أَوَّلُ، أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ أَشَارَ وَنَحْوَهُ، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، (وَكَذَا مَا ذُبِحَ) لِلْمُحْرِمِ، (أَوْ صِيدَ لِأَجْلِهٍ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ «أَهْدَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» وَكَذَا مَا أُخِذَ مِنْ بَيْضِ الصَّيْدِ أَوْ لَبَنِهِ لِأَجْلِهِ. (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُحْرِمَ، (بِأَكْلِهِ)، أَيْ: مَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ لِأَجْلِهِ (كُلِّهِ الْجَزَاءُ)، أَيْ: جَزَاؤُهُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مُنِعَ مِنْهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِهِ الْجَزَاءُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدًا، ثُمَّ يَأْكُلُهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِقَتْلِهِ، لَا لِأَكْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ، فَلَمْ يَتَكَرَّرْ، كَإِتْلَافِهِ بِغَيْرِ أَكْلِهِ، وَكَصَيْدِ الْحَرَمِ إذَا قَتَلَهُ حَلَالٌ، وَأَكَلَهُ.
(وَ) يَلْزَمُهُ بِأَكْلِ (بَعْضِهِ)، أَيْ: بَعْضِ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ، (قِسْطُهُ)، أَيْ: مِثْلُهُ (لَحْمًا)، كَضَمَانِ أَصْلِهِ لَوْ أَكَلَهُ كُلَّهُ، (وَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ، (لِدَلَالَتِهِ) عَلَيْهِ، (أَوْ إعَانَةِ حَلَالٍ) عَلَيْهِ، (أَوْ صِيدَ) أَوْ ذُبِحَ (لَهُ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ، (لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ غَيْرِهِ، كَ) مَا لَا يُحْرَمُ (حَلَالٌ)؛ لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَنْ عُثْمَانَ «أَنَّهُ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، فَقَالُوا: أَلَا تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنَّمَا صِيدَ لِأَجْلِي» (وَإِنْ قَتَلَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ مُحْرِمٌ، (أَوْ أَمْسَكَهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ بِالْحَرَمِ، فَذَبَحَهُ) الْحَلَالُ أَوْ الْمُحْرِمُ، (وَلَوْ بَعْدَ حِلِّهِ، أَوْ) ذَبَحَهُ بَعْدَ (إخْرَاجِهِ)، أَيْ: الصَّيْدِ، (مِنْ الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ) لِمَا يَأْتِي، (وَكَانَ مَا) صِيدَ أَوْ ذُبِحَ مِنْ صَيْدِ مُحْرِمٍ، وَحَرُمَ (لِغَيْرِ حَاجَةِ أَكْلِهِ) كَلِأَخْذِ جِلْدِهِ، أَوْ لِلتَّمَرُّنِ عَلَى الصَّيْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، (مَيْتَةً) يَحْرُمُ أَكْلُهُ (عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ)؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، فَلَمْ يُبَحْ بِذَبْحِهِ، (وَ) مَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ مِنْ ذَلِكَ (لِحَاجَةِ أَكْلِهِ) بِأَنْ اُضْطُرَّ لِأَكْلِهِ، كَانَ (مَيْتَةً نَجَسًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ)، أَيْ: غَيْرِ الْمُحْتَاجِ لِأَكْلِهِ، وَ(لَا) يَكُونُ مَيْتَةً نَجَسًا (فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ}. (وَإِنْ كَسَرَ مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ)، حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، أَشْبَهَ سَائِرَ أَجْزَائِهِ، (وَحَلَّ) أَكْلُهُ (لِمُحِلٍّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ الصَّيْدِ، فَكَذَا بَيْضُهُ، وَ(لَا) يَحِلُّ (لِمُحْرِمٍ) أَكْلُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَكَذَا) حُكْمُ (حَلْبِ) مُحْرِمٍ (لَبَنَ صَيْدٍ)، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْئِهِ، (وَإِنْ نَقَلَ) مُحْرِمٌ (بَيْضَ صَيْدٍ) سَلِيمًا، (فَفَسَدَ) بِنَقْلِهِ، وَلَوْ كَانَ بَاضَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَوْ مَتَاعِهِ، وَنَقَلَهُ بِرِفْقٍ، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَهُ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ، (أَوْ أَتْلَفَ) مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ (غَيْرَ مَذَرٍ، وَ) غَيْرَ (مَا بِهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ)، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَهُ؛ لِإِتْلَافِهِ إيَّاهُ، فَإِنْ كَانَ الْبِيضُ مَذَرًا، وَفِيهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، (إلَّا) مَا كَانَ مِنْ (بَيْضِ نَعَامٍ)، فَيَضْمَنُهُ، (لِأَنَّ لِقِشْرِهِ قِيمَةً)، فَيَضْمَنُهُ بِهَا، وَإِنْ فَسَدَ مَا فِيهِ (أَوْ حَلَبَ) مُحْرِمٌ (صَيْدًا) صَادَهُ فِي إحْرَامِهِ، وَلَوْ بَعْدَ حِلِّهِ، أَوْ حَلَالٌ مَا صَادَهُ بِالْحَرَمِ، وَلَوْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ إلَى الْحِلِّ، (ضَمِنَهُ)، أَيْ: الْحَلِيبَ، (بِقِيمَتِهِ) نَصًّا (مَكَانَهُ)، أَيْ: الْإِتْلَافِ، وَأَمَّا الْبَيْضُ، فَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ. وَلِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «فِي بَيْضِ النَّعَامِ ثَمَنُهُ» الْمُرَادُ: قِيمَتُهُ، وَأَمَّا اللَّبَنُ، فَلِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَكَانَ فِيهِ قِيمَتُهُ يَفْعَلُ بِهَا كَجَزَاءِ صَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ. وَإِنْ كَسَرَ بَيْضَهُ، فَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ، وَعَاشَ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتْلِفُ شَيْئًا. (وَلَا يَمْلِكُ مُحْرِمٌ صَيْدًا ابْتِدَاءً)، أَيْ، مِلْكًا مُتَجَدِّدًا (بِغَيْرِ إرْثٍ)، فَلَا يَمْلِكُهُ بِشِرَاءٍ وَلَا هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَوْ بِوَكِيلِهِ، أَوْ بِنَصْبِ أُحْبُولَةٍ قَبْلَ إحْرَامِهِ، فَوَقَعَ فِيهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، لِخَبَرِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ مَحِلًّا لِتَمَلُّكِ الْمُحْرِمِ؛ لِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ كَالْخَمْرِ، وَيَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا فِعْلَ مِنْهُ فِيهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَيَمْلِكُ بِهِ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ، فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ. (وَيَتَّجِهُ): عَدَمُ دُخُولِ صَيْدٍ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ ابْتِدَاءً (حَتَّى مَا)، أَيْ: صَيْدًا وُجِدَ (بِيَدِ مُكَاتَبٍ) حِينَ (عَجَزَ) عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ كِتَابَةً، وَعَادَ رَقِيقًا، فَلَا يَدْخُلُ مَا بِيَدِهِ مِنْ الصَّيْدِ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ، (وَاحْتَمَلَ: وَ) حَتَّى مَا بِيَدِ (زَوْجَةٍ) مِنْ صَيْدٍ قَبَضَتْهُ مَهْرًا، ثُمَّ (بَانَتْ قَبْلَ دُخُولٍ)، فَتَنَصَّفَ صَدَاقُهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَلَا يَدْخُلُ نِصْفُ صَيْدٍ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ، كَذَا قَالَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا بِيَدِ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ ابْتِدَاءً، بَلْ دَخَلَ تَبَعًا، فَهُوَ فِي الْإِرْثِ أَشْبَهُ؛ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ صَيْدًا، وَهُوَ حَلَالٌ، ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ، عَادَ نِصْفُهُ إلَيْهِ قَهْرًا، كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا هُنَاكَ، لَهُ إمْسَاكُهُ- أَيْ: بِيَدِهِ الْحُكْمِيَّةُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا؛ (فَلَا يَسْتَرِدُّ) مُحْرِمٌ صَيْدًا (مَبِيعًا) مِنْهُ زَمَنَ حِلِّهِ (بِخِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَسْتَرِدُّهُ (بِعَيْبٍ)، وَلَا إقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، (وَلِمُشْتَرٍ رَدُّهُ)، أَيْ: الصَّيْدِ، عَلَى بَائِعٍ مُحْرِمٍ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ؛ لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلرَّدِّ، (وَلَا يَدْخُلُ) فِي (مِلْكِ مُحْرِمٍ إذَا)، أَيْ: فِي حَالِ إحْرَامِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّمَلُّكِ، وَيَمْلِكُ إذَا حَلَّ، كَعَصِيرٍ تَخَمَّرَ، ثُمَّ انْقَلَبَ خَلًّا. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَلِكُلِّ حَلَالٍ تَمَلُّكُهُ) بَعْدَ رَدِّهِ عَلَى الْمُحْرِمِ، إذْ لَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهُ حِينَئِذٍ، وَحَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ؛ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ، فَمَنْ أَمْسَكَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ وَإِنْ بَقِيَ حَتَّى حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ؛ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ؛ لِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ إحْلَالِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَمَنْ قَبَضَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، (بِنَحْوِ هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ، أَوْ شِرَاءٍ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ) إلَى مَنْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ، لِفَسَادِ الْعَقْدِ، (وَعَلَيْهِ)، أَيْ: قَابِضِ الصَّيْدِ (إنْ تَلِفَ قَبْلَ رَدِّ الْجَزَاءِ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (مَعَ قِيمَتِهِ) لِمَالِكِهِ (فِي هِبَةٍ وَشِرَاءٍ)؛ لِوُجُودِ مُقْتَضَى الضَّمَانَيْنِ، (وَ) أَمَّا (فِي الرَّهْنِ)؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا (الْجَزَاءُ، فَقَطْ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ؛ لِمَا سَبَقَ، وَلَا يَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ صَحِيحَ الرَّهْنِ لَا ضَمَانَ فِيهِ، فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، (كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ)، أَيْ: الرَّهْنَ، فَتَلِفَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْجَزَاءُ، (مَا لَمْ يَتَعَدَّ) مُرْتَهَنٌ عَلَيْهِ، فَيَتْلَفُ الرَّهْنُ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَعَ جَزَائِهِ أَيْضًا. (وَمَنْ أَحْرَمَ، وَبِمِلْكِهِ صَيْدٌ؛ لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ) عَنْهُ؛ لِقُوَّةِ الِاسْتِدَامَةِ، (وَلَا) تَزُولُ عَنْهُ (يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ) الَّتِي لَا يُشَاهِدُهَا، (كَكَوْنِهِ)، أَيْ: الصَّيْدِ (فِي بَلَدِهِ أَوْ بَيْتِهِ، أَوْ فِي يَدِ نَائِبِهِ بِغَيْرِ مَكَانِهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ، (مَعَهَا)، أَيْ: يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ، إذَا تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَتُهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبٌ فِي تَلَفِهِ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَهِبَةٍ. (وَمَنْ غَصَبَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ مِنْ يَدِ مُحْرِمٍ حُكْمِيَّةٍ؛ (لَزِمَهُ رَدُّهُ) إلَيْهَا لِاسْتِدَامَتِهَا عَلَيْهِ. (وَمَنْ أَدْخَلَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ، مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ (الْحَرَمَ) الْمَكِّيَّ؛ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ، (أَوْ أَحْرَمَ) رَبُّ صَيْدٍ (وَهُوَ بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ، كَفِي قَبْضَتِهِ، أَوْ رَحْلِهِ)، أَوْ قَفَصِهِ، (أَوْ خَيْمَتِهِ؛ لَزِمَهُ إزَالَتُهَا)، أَيْ: الْيَدِ الْمُشَاهَدَةِ عَنْهُ، (بِإِرْسَالِهِ) فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ. (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ: (أَوْ) يُزِيلُ يَدَهُ الْمُشَاهَدَةَ عَنْ الصَّيْدِ، (بِوَضْعِهِ تَحْتَ يَدِ وَكِيلِهِ) الْحَلَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارٌ حَسَنٌ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ، (فَإِنْ تَلِفَ) الصَّيْدُ فِي يَدِهِ (قَبْلَ التَّمَكُّنِ)، أَيْ: تَمَكُّنِ الْمُحْرِمِ (مِنْ إرْسَالِهِ)، بِأَنْ نَفَرَهُ لِيَذْهَبَ، فَلَمْ يَذْهَبْ حَتَّى تَلِفَ، (لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ وَلَا مُتَعَدٍّ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ إرْسَالِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ؛ ضَمِنَهُ بِالْجَزَاءِ، (وَ) إنْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ، (فَلَا ضَمَانَ عَلَى مُرْسِلِهِ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا)، لِزَوَالِ حُرْمَةِ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، (وَمِلْكُهُ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ، وَبِيَدِهِ صَيْدٌ (بَاقٍ) عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَرْسَلَهُ، أَوْ اسْتَمَرَّ تَحْتَ يَدِهِ إلَى أَنْ حَلَّ، كَعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ، (فَيَرُدُّهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ (أَخْذُهُ) لِمَالِكِهِ (إذَا حَلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ، (وَيَضْمَنُهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ، (مُتَعَدٍّ) عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَزَوَالُ الْيَدِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، كَالْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ. (وَمَنْ قَتَلَ) وَهُوَ مُحْرِمٌ (صَيْدًا صَائِلًا) عَلَيْهِ (دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) أَوْ غَيْرِهِ؛ لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَضْمَنْهُ، لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْمُؤْذِيَاتِ طَبْعًا، كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَكَالْآدَمِيِّ الصَّائِلِ، وَسَوَاءٌ خَشِيَ مَعَهُ تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا بِجَرْحِهِ، أَوْ إتْلَافَ مَالِهِ، أَوْ بَعْضَ حَيَوَانَاتِهِ أَوْ أَهْلِهِ، (أَوْ) قَتَلَ صَيْدًا (بِتَخْلِيصِهِ مِنْ نَحْوِ سَبُعٍ، أَوْ شَبَكَةٍ لِيُطْلِقَهُ)، لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِحَاجَةِ الْحَيَوَانِ. (أَوْ قَطَعَ) مُحْرِمٌ (مِنْهُ)، أَيْ: الصَّيْدِ، (عُضْوًا مُتَآكِلًا، فَمَاتَ، لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَضْمَنْهُ)؛ لِأَنَّهُ لِمُدَاوَاةِ الْحَيَوَانِ، أَشْبَهَ مُدَاوَاةَ الْوَلِيِّ مَحْجُورَهُ، وَلَيْسَ بِمُتَعَمِّدٍ قَتْلَهُ، فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ، (وَلَوْ أَخَذَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ الضَّعِيفَ، مُحْرِمٌ (لِيُدَاوِيَهُ، فَوَدِيعَةٌ) عِنْدَهُ، (فَإِنْ فَرَّطَ) فِي حِفْظِهِ، أَوْ تَعَدَّى؛ (ضَمِنَ)، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ. (وَلَا تَأْثِيرَ لِحَرَمٍ وَإِحْرَامٍ فِي تَحْرِيمِ) حَيَوَانٍ (إنْسِيٍّ كَخَيْلٍ وَدَجَاجٍ)، وَبَهِيمَةِ أَنْعَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَقَدْ «كَان عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَذْبَحُ الْبُدْنَ فِي إحْرَامِهِ فِي الْحَرَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى»، وَقَالَ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ: الْعَجُّ- رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ- وَالثَّجُّ»، أَيْ: إسَالَةُ الدِّمَاءِ بِالنَّحْرِ وَالذَّبْحِ. (وَلَا) تَأْثِيرَ لِحَرَمٍ وَإِحْرَامٍ فِي (مُحْرِمٍ أَكَلَ غَيْرَ مُتَوَلَّدٍ) بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ كَسَمْعٍ، فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَفِي الْحَرَمِ، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ، وَيَفْدِي. وَأَشَارَ لِمُحَرَّمِ الْأَكْلُ بِقَوْلِهِ: (كَذِئْبٍ وَثَعْلَبٍ وَرَخَمٍ وَبُومٍ، وَكَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ)، وَهُنَّ: (حِدَأَةٌ وَغُرَابٌ وَفَأْرَةٌ وَعَقْرَبٌ وَكَلْبٌ عَقُورٌ)؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ خَمْسٍ فَوَاسِقَ فِي الْحَرَمِ: الْحِدَأَةِ، وَالْغُرَابِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيُسَنُّ قَتْلُهَا)، أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ (حِلًّا وَحُرُمًا) لِلْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ: فِي الْجُمْلَةِ، وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ: أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ يَجِبُ قَتْلُهُ، (وَ) يُسْتَحَبُّ أَيْضًا (قَتْلُ كُلِّ مُؤْذٍ طَبْعًا)، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَذًى (غَيْرَ آدَمِيٍّ، كَأَسَدٍ وَفَهْدٍ) وَذِئْبٍ، (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) مِمَّا فِيهِ أَذًى لِلنَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، (وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَشَاهِينِ وَعُقَابٍ، وَحَشَرَاتٍ مُؤْذِيَةٍ، كَزُنْبُورٍ وَبَقٍّ وَبَعُوضٍ وَبَرَاغِيثَ) وَطُبُوعٍ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، (وَفِي الْإِقْنَاعِ: وَرَخَمٍ وَبُومٍ وَدِيدَانٍ، وَفِيهِ شَيْءٌ)، فَإِنَّهُ، جَزَمَ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ قَتْلِهِ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَحْرُمُ قَتْلُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا)، أَيْ: فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، (قَتْلُ) كُلِّ (مَا) أَيْ: حَيَوَانٍ (لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، قَالُوا)، أَيْ: فُقَهَاؤُنَا: (كَنَمْلٍ وَنَحْلٍ، وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ، وَضَفَادِعَ، وَكِلَابٍ)، وَلَا جَزَاءَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ- تَعَالَى- إنَّمَا أَوْجَبَ الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِصَيْدٍ. (وَسُئِلَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (هَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُ بُيُوتِ النَّمْلِ بِالنَّارِ؟ فَقَالَ: يُدْفَعُ ضَرَرُهُ بِغَيْرِ التَّحْرِيقِ) إنْ انْدَفَعَ، وَإِلَّا؛ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ، ذَكَرَهُ النَّاظِمُ. (وَلَا بَأْسَ بِنَزْعِ قُرَادٍ عَنْ دَابَّتِهِ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَسَائِرِ الْمُؤْذِي. (وَيَحْرُمُ) عَلَى مُحْرِمٍ، لَا عَلَى حَلَالٍ، وَلَوْ فِي الْحَرَمِ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَرُمَ فِي الْمُحْرِمِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّفَاهِيَةِ، فَأُبِيحَ لِلْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ كَغَيْرِهِ، (بـِ) سَبَبِ (إحْرَامٍ، لَا بـِ) سَبَبِ (حَرَمٍ، قَتْلُ قَمْلٍ وَصِئْبَانٍ) مِنْ رَأْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، (وَلَوْ بِزِئْبَقٍ، وَ) يَحْرُمُ (رَمْيُهُ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ بِإِزَالَتِهِ، أَشْبَهَ قَطْعَ الشَّعْرِ، (وَلَا جَزَاءَ فِيهِ)، أَيْ: الْقَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَلَا يَحْرُمُ قَتْلُ بَرَاغِيثَ، وَدَلَمٍ وَبَقٍّ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَةِ. (وَيُضْمَنُ جَرَادٌ) أَتْلَفَهُ مُحْرِمٌ (بِقِيمَتِهِ) فِي مَكَانِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتْلَفٌ غَيْرُ مِثْلِيٍّ (وَلَوْ بِمَشْيِ) مُحْرِمٍ (عَلَى) جَرَادٍ (مُفْتَرِسٍ بِطَرِيقٍ)، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ (وَكَذَا) كَانَ (بَيْضُ صَيْدٍ أُتْلِفَ)، أَيْ: أَتْلَفَهُ مُحْرِمٌ، (لِحَاجَةِ مَشْيٍ) عَلَيْهِ؛ فَيَضْمَنُهُ، (وَيُبَاحُ) لِمُحْرِمٍ وَغَيْرِهِ، (لَا بِالْحَرَمِ، صَيْدُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ كَسَمَكٍ، وَلَوْ عَاشَ فِي بَرٍّ أَيْضًا، كَسُلَحْفَاةٍ وَسَرَطَانٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}، وَأَمَّا الْبَحْرُ بِالْحَرَمِ؛ فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهِ لِلْمَكَانِ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَطَيْرُ الْمَاءِ بَرِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَبِيضُ وَيُفَرِّخُ فِي الْبَرِّ، فَيَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ صَيْدُهُ، وَفِيهِ الْجَزَاءُ (وَلِمُحْرِمٍ احْتَاجَ لِفِعْلِ مَحْظُورٍ) غَيْرِ مُفْسِدٍ (فِعْلُهُ)، وَيَفْدِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ}، وَحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَأُلْحِقَ بِالْحَلْقِ بَاقِي الْمَحْظُورَاتِ. وَمَنْ بِبَدَنِهِ شَيْءٌ لَا يُحِبُّ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ لَبِسَ، وَفَدَى نَصًّا. (وَكَذَا لَوْ اُضْطُرَّ كَمَنْ بِحَرَمٍ إلَى ذَبْحِ صَيْدٍ؛ فَلَهُ)، أَيْ: الْمُضْطَرِّ ذَبْحُهُ (وَأَكْلُهُ، وَيَفْدِي، وَهُوَ مَيْتَةٌ لِغَيْرِهِ)، أَيْ: كَمَيْتَةٍ فِي التَّحْرِيمِ، لَا فِي النَّجَاسَةِ، فَلَا يُبَاحُ إلَّا لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ. (وَتُقَدَّمُ هِيَ)، أَيْ: الْمَيْتَةُ (عَلَى صَيْدٍ حَيًّا)؛ لِأَنَّهُ لَا جَزَاءَ فِيهَا، (وَيَأْتِي) فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ. (السَّابِعُ: عَقْدُ النِّكَاحِ)، فَيَحْرُمُ، (وَلَا يَصِحُّ) مِنْ مُحْرِمٍ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» وَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ. وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَدَوَاعِيَهُ، فَمُنِعَ عَقْدُ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ، (إلَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَلَا يَكُونُ مَحْظُورًا (إنْ سَلَّمْنَا نِكَاحَهُ مَيْمُونَةَ مُحْرِمًا)، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ». قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي، وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَبِي دَاوُد «وَتَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ» وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا»، وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهِلَ، وَقَالَ أَيْضًا: أَوْهَمَ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ، أَيْ: ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: نَقَلَ ابْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَطَأٌ، ثُمَّ قِصَّةُ مَيْمُونَةَ مُخْتَلِفَةٌ، فَيَتَعَارَضُ ذَلِكَ، وَمَا سَبَقَ لَا مُعَارِضَ لَهُ، ثُمَّ رِوَايَةُ الْحِلِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ، وَفِيهَا صَاحِبُ الْقِصَّةِ، وَالسَّفِيرُ فِيهَا، وَلَا مَطْعَنَ فِيهَا، وَيُوَافِقُهَا مَا سَبَقَ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ مَعَ صِغَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَنْ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ ظَهَرَ تَزْوِيجُهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ. (وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ لِلْإِحْرَامِ، كَشِرَاءِ الصَّيْدِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا؛ (فَلَا يَتَزَوَّجُ) الْمُحْرِمُ، (وَلَوْ) كَانَ تَزَوُّجُهُ (بِوَكِيلٍ حَلَالٍ) يُقْبَلُ لَهُ النِّكَاحُ (وَلَا يُزَوِّجُ) الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ (بِوِلَايَةٍ أَوْ)، أَيْ: وَلَا (بِوَكَالَةٍ)؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِ» رَوَاه الشَّافِعِيُّ، وَرَفَعَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَتُعْتَبَرُ حَالَةَ عَقْدٍ لَا) حَالَةَ (تَوْكِيلٍ، فَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا؛ صَحَّ عَقْدُهُ)، أَيْ: الْوَكِيلِ (بَعْدَ حِلِّ مُوَكِّلِهِ)، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا، فَعَقْدُ النِّكَاحِ بَعْدَ حِلِّهِمَا، (وَلَوْ وَكَّلَهُ)، أَيْ: الْحَلَالَ فِي الْعَقْدِ، (حَلَالًا)- حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي: وَكَّلَ- (فَأَحْرَمَ) مُوَكِّلٌ، (فَعَقَدَهُ) الْوَكِيلُ (حَالَ إحْرَامِهِ)، أَيْ: الْمُوَكِّلِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ لِلْخَبَرِ، (وَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ)، أَيْ: الْحَلَالِ فِي الْعَقْدِ (بِإِحْرَامِهِ)، أَيْ: الْمُوَكِّلِ، (فَإِذَا حَلَّ، عَقَدَهُ) وَكِيلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. (وَلَوْ) وَقَعَ الْعَقْدُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ، فَ (قَالَ زَوْجٌ لِزَوْجَتِهِ: عُقِدَ قَبْلَ إحْرَامِي)، وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ: بَعْدَهُ؛ (قُبِلَ) قَوْلُ الزَّوْجِ لِدَعْوَاهُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، ثُمَّ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَانَ أَقْبَضَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لَا رُجُوعَ لَدَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْبَضَهَا؛ فَلَا طَلَبَ لَهَا بِهِ؛ لِتَضَمُّنِ دَعْوَاهَا أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ، لِفَسَادِ الْعَقْدِ، (وَكَذَا إنْ عُكِسَ)، فَقَالَتْ: عُقِدَ قَبْلَ إحْرَامِكَ، وَقَالَ: بَعْدَهُ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ قُلْتُ: وَيَلْزَمُهُ تَطْلِيقُهَا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ، (لَكِنْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ) فِي الثَّانِيَةِ (تَبْعِيضًا لِلْحُكْمِ)؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، (وَيَصِحُّ) النِّكَاحُ (مَعَ جَهْلِهِمَا)، أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (وُقُوعَهُ)، بِأَنْ جَهِلَا: هَلْ وَقَعَ حَالَ إحْرَامِ أَحَدِهِمَا أَوْ إحْلَالِهِمَا؟ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ (وَ) إنْ قَالَ الزَّوْجُ: (تَزَوَّجْتُكِ وَقَدْ حَلَلْتِ، فَقَالَتْ: بَلْ) وَأَنَا (مُحْرِمَةٌ؛ صَدَقَ) الزَّوْجُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) لَوْ قَالَ: (تَزَوَّجْتُكِ وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتك، فَقَالَتْ: بَلْ) تَزَوَّجْتَنِي (فِيهَا)، أَيْ: الْعِدَّةِ، وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا؛ (صَدَقَتْ)؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، (وَمَتَى أَحْرَمَ الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ (أَوْ نَائِبُهُ؛ امْتَنَعَتْ مُبَاشَرَتُهُ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ مِنْهُمَا (لَهُ)، أَيْ: لِلنِّكَاحِ، لِلْخَبَرِ، فَلَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ وَلَا بِوِلَايَةٍ عَامَّةٍ، وَ(لَا) تُمْنَعُ مُبَاشَرَةُ (نُوَّابِهِ) لِلنِّكَاحِ بِإِحْرَامِهِ (بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ)، فَلَهُمْ إذَا كَانُوا مُحَلِّينَ تَزْوِيجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ فِيهِ حَرَجٌ. (وَيَتَّجِهُ: فَيَمْتَنِعُ) عَقْدُ النِّكَاحِ (عَلَى نُوَّابِهِ بِوِلَايَتِهِ الْخَاصَّةِ، كَنَائِبِهِ فِي تَزْوِيجِ نَحْوِ بِنْتِهِ) مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهَا الْوِلَايَةُ، فَلَيْسَ لِلنَّائِبِ عَقْدُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ حَتَّى يَحِلَّ، وَأَمَّا تَزْوِيجُ نُوَّابِهِ لِنَحْوِ بَنَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ إذَا كَانُوا حَلَالًا؛ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا نِيَابَةَ لَهُمْ عَنْهُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَتُكْرَهُ خِطْبَةُ مُحْرِمٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، أَيْ: أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً، أَوْ يَخْطُبَ حَلَالٌ مُحْرِمَةً، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَتَقَدَّمَ، (كـَ) مَا يُكْرَهُ لَهُ (خِطْبَةُ عَقْدِهِ)، أَيْ: النِّكَاحِ، وَتَأْتِي لِدُخُولِهَا فِي عُمُومٍ، وَلَا يَخْطُبُ، (وَ) كَمَا يُكْرَهُ لَهُ (حُضُورُهُ) عَقْدَ النِّكَاحِ، (وَكَذَا شَهَادَتُهُ فِيهِ)، أَيْ: النِّكَاحِ بَيْنَ حَلَالَيْنِ نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَخْطُبُ، قَالَ: مَعْنَاهُ: لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ. (وَيَتَّجِهُ): كَرَاهَةُ، شَهَادَةِ الْمُحْرِمِ (لِ) عَقْدِ نِكَاحِ (حَلَالٍ)، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَلَالِ لَا يَعْقِدُ لَهُ، وَمُعَاطَاةُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ. (وَأَلَّا) يَحْمِلَ عَلَى شَهَادَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى نِكَاحٍ بَيْنَ حَلَالَيْنِ، بِأَنْ حَمَلَ عَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى نِكَاحٍ بَيْن مُحْرِمَيْنِ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، (وَالشَّهَادَةُ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ حَرَامٌ)، وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ (وَتُبَاحُ رَجْعَتُهُ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ؛ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ، لِأَنَّهَا إمْسَاكٌ، وَلِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُبَاحَةٌ قَبْلَ الرَّجْعَةِ، فَلَا إحْلَالَ، وَكَالتَّكْفِيرِ لِلْمُظَاهِرِ (وَ) يُبَاحُ (شِرَاءُ أَمَةٍ لِوَطْءٍ)؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَاقِعٌ عَلَى عَيْنِهَا، وَهِيَ تُرَادُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ شِرَاءٌ نَحْوُ الْمَجُوسِيَّةِ، بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبِضْعِ خَاصَّةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ نَحْوِ مَجُوسِيَّةٍ.
(وَ) يَصِحُّ (اخْتِيَارُهُ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ (إنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ) نِسْوَةٍ لِبَعْضِهِنَّ فِي حَالِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ إمْسَاكٌ وَاسْتِدَامَةٌ، لَا ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ، كَالرَّجْعَةِ وَأَوْلَى. (الثَّامِنُ: وَطْءٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ}.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدُّ الْجِمَاعِ إلَى قَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ}. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (فَلَا يَفْسُدُ) إحْرَامُ مَنْ أَوْلَجَ (بِلَا إنْزَالٍ) إذَا كَانَ إيلَاجُهُ (بِحَائِلٍ) صَفِيقٍ، بِحَيْثُ لَا يُحِسُّ بِالْحَرَارَةِ، أَمَّا إذَا أَوْلَجَ بِلَا حَائِلٍ، أَوْ بِحَائِلٍ غَيْرِ صَفِيقٍ، فَإِنَّهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَالْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ هُوَ: تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ (فِي فَرْجٍ) أَصْلِيٍّ، (أَوْ دُبُرٍ لِآدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ) كَانَ الْوَطْءُ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ) كَانَ الْوَاطِئُ (مُكْرَهًا)، إذْ الْوَطْءُ لَا يَتَأَتَّى مَعَ الْإِكْرَاهِ، (أَوْ) كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ (نَائِمَةً)، أَوْ مَيِّتَةً، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ: أَوْ) كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ (مَجْنُونَةً)، لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا. (وَهُوَ)، أَيْ: الْوَطْءُ (يُفْسِدُ النُّسُكَ قَبْلَ تَحَلُّلٍ أَوَّلِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، (وَلَوْ بَعْدَ وُقُوفٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَضَوْا بِفَسَادِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا، وَحَدِيثُ: «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»، أَيْ: قَارَبَهُ، وَأَمِنَ فَوَاتَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَامِدٍ وَنَاسٍ، وَجَاهِلٍ وَعَالِمٍ وَمُكْرَهٍ وَغَيْرِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ، (وَعَلَيْهِمَا)، أَيْ: الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ، (الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ)، أَيْ: النُّسُكِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْوَطْءِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. (وَحُكْمُهُ)، أَيْ: الْإِحْرَامِ الَّذِي فَسَدَ بِالْجِمَاعِ، (كـَ) حُكْمِ إحْرَامٍ (صَحِيحٍ فِيمَا يُفْعَلُ وَيُتَجَنَّبُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَرُوِيَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُجَامِعَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ كَالْفَوَاتِ، فَيَفْعَلُ بَعْدَ الْإِفْسَادِ، كَمَا يَفْعَلُ قَبْلَهُ مِنْ وُقُوفٍ وَغَيْرِهِ، وَيَتَجَنَّبُ مَا يَتَجَنَّبُهُ قَبْلَهُ مِنْ وَطْءٍ وَغَيْرِهِ، وَيَفْدِي مَحْظُورَ فِعْلِهِ بَعْدَهُ. (وَيَقْضِي) مَنْ فَسَدَ نُسُكُهُ بِالْوَطْءِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، نَصًّا، وَاطِئًا أَوْ مَوْطُوءًا، فَرْضًا كَانَ الَّذِي أَفْسَدَهُ، أَوْ نَفْلًا، (فَوْرًا وُجُوبًا)، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلًا؛ حُجَّ وَاهْدِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْأَثْرَمُ. وَزَادَ: وَحُلَّ إذَا حَلُّوا، فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ؛ فَاحْجُجْ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ، وَاهْدِيَا هَدْيًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدَا، فَصُومَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْتُمَا. (إنْ كَانَ) الْمُفْسِدُ نُسُكَهُ (مُكَلَّفًا) لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ مُكَلَّفًا، بَلْ كُلِّفَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ، فَيَقْضِي (بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَوْرًا)؛ لِزَوَالِ عُذْرِهِ. (وَيُحْرِمُ) مَنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ فِي الْقَضَاءِ (مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ فِي) نُسُكٍ (فَاسِدٍ إنْ كَانَ) أَحْرَمَ بِهِ (قَبْلَ مِيقَاتٍ)؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَلِأَنَّ دُخُولَهُ فِي النُّسُكِ سَبَبٌ لِوُجُوبِهِ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعِ الْإِيجَابِ، كَالنَّذْرِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ أَحْرَمَ بِمَا فَسَدَ قَبْلَ مِيقَاتٍ، بَلْ أَحْرَمَ مِنْهُ، أَوْ دُونَهُ إلَى مَكَّةَ، (فـَ) إنَّهُ يُحْرِمُ (مِنْهُ)، أَيْ: الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُجَاوَزَتُهُ بِلَا إحْرَامٍ، (فَمَنْ نَذَرَ حَجًّا مِنْ دُوَيْرَةٍ أَهْلِهِ، لَزِمَهُ إحْرَامٌ، مِنْهَا)، لَا مِنْ الْمِيقَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَهُ أَوْ دُونَهُ. (وَمَنْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ) فَوَطِئَ فِيهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ؛ (قَضَى الْوَاجِبَ) الَّذِي عَلَيْهِ (أَوَّلًا)، وَ(لَا) يَقْضِي (الْقَضَاءَ)، كَقَضَاءِ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَفْسَدَهُ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَزْدَادُ بِفَوَاتِهِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ قَضَاءُ الْوَاجِبِ فَقَطْ (خَوْفَ تَسَلْسُلٍ) إذْ لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ قَضَاءَ الْقَضَاءِ؛ لَوَقَعَ فَاسِدًا؛ لِتَقْدِيمِهِ عَلَى الْوَاجِبِ، فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَهَلُمَّ جَرًّا، فَيُفْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. (وَنَفَقَةُ قَضَاءِ) نُسُكِ (مُطَاوِعَةٍ) عَلَى وَطْءٍ (عَلَيْهَا)، لِقَوْلِ ابْنِ عَمْرٍو: هَدْيًا هَدْيًا. أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِمَا، وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: اهْدِ نَاقَةً، وَلْتُهْدِ نَاقَةً، وَلِإِفْسَادِهَا نُسُكَهَا بِمُطَاوَعَتِهَا، أَشْبَهَتْ الرَّجُلَ.
(وَ) نَفَقَةُ، قَضَاءِ نُسُكِ (نَحْوِ مُكْرَهَةٍ، عَلَى مُكْرِهٍ)، وَلَوْ طَلَّقَهَا؛ لِإِفْسَادِهِ نُسُكَهَا، كَنَفَقَةِ نُسُكِهِ، وَقِيَاسُهُ: لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ؛ فَعَلَيْهَا نَفَقَةُ قَضَائِهِ. (وَلَا فِدْيَةَ) عَلَى مُكْرَهَةٍ عَلَى الْوَطْءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». (وَسُنَّ تَفَرُّقُهُمَا)، أَيْ: وَاطِئٍ وَمَوْطُوءَةٍ (فِي قَضَاءٍ مِنْ مَوْضِعِ وَطْءٍ، فَلَا يَرْكَبْ مَعَهَا فِي مَحْمَلٍ، وَلَا) يَنْزِلْ مَعَهَا فِي (فُسْطَاطٍ)، أَيْ: (بَيْتٍ مِنْ شَعْرٍ، وَلَا) فِي (خَيْمَةٍ إلَّا أَنْ يَحِلَّا) مِنْ إحْرَامِ الْقَضَاءِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا، مُحْرِمَانِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَتِمَّا حَجَّكُمَا، ثُمَّ ارْجِعَا، وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى مِنْ قَابِلٍ، حَتَّى إذَا كُنْتُمَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ؛ فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا، وَلَا يُوَاكِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ أَتِمَّا مَنَاسِكَكُمَا، وَاهْدِيَا» وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ. (وَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْهَا، يُرَاعِي أَحْوَالَهَا؛ لِأَنَّهَا مُحْرِمَةٌ وَ) الْوَطْءُ (بَعْدَ تَحَلُّلٍ أَوَّلَ لَا يَفْسُدُ نُسُكٌ) بِهِ، (بَلْ) يَفْسُدُ بِهِ (إحْرَامٌ)؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَوْمَ النَّحْرِ: «يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ مِنْ قَابِلٍ» رَوَاه مَالِكٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَعَلَيْهِ)، أَيْ: الْوَاطِئِ بَعْدَ تَحَلُّلٍ أَوَّلِ (شَاةٌ)، لِفَسَادِ إحْرَامِهِ، (وَ) عَلَيْهِ (الْمُضِيُّ لِلْحِلِّ، فَيُحْرِمُ)؛ لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، (لِيَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ مُحْرِمًا إحْرَامًا صَحِيحًا)، لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، (وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) قَبْلَ ذَلِكَ، (وَيَحِلُّ)؛ لِأَنَّ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَلَيْسَ هَذَا عُمْرَةً حَقِيقَةً، وَالْإِحْرَامُ إنَّمَا وَجَبَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ: الْخِرَقِيِّ، فَقَوْلُ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ: إنَّهُ يَعْتَمِرُ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا، وَسَمَّوْهُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالُهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا عُمْرَةً حَقِيقَةً، فَيَلْزَمُهُ سَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ، وَعَلَى هَذَا نُصُوصُ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ إحْرَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، فَكَانَ فِيهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ، كَالْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ، وَهِيَ تَجْرِي مَجْرَى الْحَجِّ، بِدَلِيلِ الْقِرَانِ بَيْنَهُمَا، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَالْقَارِنُ كَمُفْرِدٍ) لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لِلْحَجِّ لَا لِلْعُمْرَةِ، بِدَلِيلِ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ، (فَإِنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ)، أَيْ: وَحَلَقَ، (وَلَمْ يَرْمِ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، (ثُمَّ وَطِئَ؛ فَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: لَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ مِنْ الْحِلِّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِوُجُودِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ) يَعْنِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ، وَلَوْ كَانَ قَدْ طَافَ لِوُجُودِ الْوَطْءِ قَبْلَ مَا يَتِمُّ بِهِ التَّحَلُّلُ، (وَلِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمٌ؛ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وُجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ)، فَيَفْسُدُ إحْرَامُهُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالْمُرَادُ فَسَادُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، لَا مَا مَضَى، إذْ لَوْ فَسَدَ كُلُّهُ؛ لَوَقَعَ الْوُقُوفُ فِي غَيْرِ إحْرَامٍ. (وَعُمْرَةٌ) وَطِئَ فِيهَا (كَحَجٍّ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ (فَيُفْسِدُهَا) وَطْءٌ (قَبْلَ تَمَامِ سَعْيٍ لَا بَعْدَهُ)، أَيْ: السَّعْيِ، (وَقَبْلَ حَلْقٍ)؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَحَلُّلٍ أَوَّلَ، (وَعَلَيْهِ) بِوَطْئِهِ فِي عُمْرَةٍ (لِإِفْسَادِهَا شَاةٌ)؛ لِنَقْصِ حُرْمَةِ إحْرَامِهَا عَنْ الْحَجِّ؛ لِنَقْصِ أَرْكَانِهَا، وَدُخُولِهَا فِيهِ، إذَا جَامَعَتْهُ، سَوَاءٌ وَطِئَ قَبْلَ تَمَامِ السَّعْيِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ، (وَلَا فِدْيَةَ عَلَى مُكْرَهَةٍ) فِي وَطْءٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ لِعُمُومِ: {وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ} وَمِثْلُهَا النَّائِمَةُ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَاطِئَ أَنْ يَفْدِيَ عَنْهُمَا. (التَّاسِعُ: الْمُبَاشَرَةُ) مِنْ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ فِيمَا (دُونَ الْفَرْجِ، لِشَهْوَةٍ) بِوَطْءٍ لِلَذَّةٍ، وَاسْتِدْعَاءِ الشَّهْوَةِ الْمُنَافِي لِلْإِحْرَامِ، (وَلَا تُفْسِدُ) الْمُبَاشَرَةُ (الْمَنْسَكَ) وَلَوْ أَنْزَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ؛ لِأَنَّ نَوْعَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ، (وَكَذَا قُبْلَةٌ وَلَمْسٌ، وَنَظَرٌ لِشَهْوَةٍ)؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، فَكَانَ حَرَامًا.